تمهيد
تقسيم التركات في الرياض يستند إلى أحكام المواريث الشرعية مع اشتراطاتٍ تنظيمية وإجرائية حديثة. في هذا المقال نضع بين يدي القارئ إطارًا مبسطًا وعلميًا لبيان كيفية حساب الأنصبة بين الذكور والإناث، ومتى تتساوى الأنصبة، ومتى يكون للذكر مثل حظ الأنثيين، وكيف تُترجَم هذه القواعد إلى وثائق قابلة للتنفيذ عبر ناجز وكتابات العدل وتحت إشراف محكمة الأحوال الشخصية بالرياض. يهدف المقال إلى التوعية العملية ولا يُغني عن استشارة محامٍ مختص عند الحالات المركّبة.
من أين نبدأ؟ إثبات الورثة والأنصبة
لا تبدأ القسمة دون وثيقةٍ مرجعية تحدد المستحقين وأنصبتهم. أول خطوة هي إصدار صك حصر الورثة عبر المنظومة الإلكترونية. لأن هذه الوثيقة هي المفتاح لكل ما يلي: التقييم، القسمة، البيع، ومخاطبة الجهات البنكية. بعد ذلك تُجمع بيانات التركة: العقارات، الحسابات، المنقولات، الحصص في الشركات، والديون المقدَّمة على القسمة.
قاعدة “للذكر مثل حظ الأنثيين” ومجالها
القاعدة الأشهر تجري في أولاد الميت ذكورًا وإناثًا إذا وُجدوا مجتمعين ولم يحجبهم حاجب، فيرث الذكر ضعف نصيب الأنثى بعد استيفاء أصحاب الفروض (كالزوج/الزوجة/الأبوين) فروضهم المقررة شرعًا. لكن هذه ليست القاعدة الوحيدة، إذ تختلف الأنصبة باختلاف صور الورثة وموانع الإرث وأسباب الحجب.
حالات تتساوى فيها الأنصبة بين الذكر والأنثى
على خلاف الشائع، هناك صور يتساوى فيها نصيب الذكر والأنثى، نذكر أهمها بإيجاز:
- الإخوة لأم: يرثون بالسوية لا فرق بين ذكر وأنثى عند توافر شروطهم.
- الأب والأم في بعض الحالات يأخذ كلٌّ منهما السدس، أو يتفاوت نصيب الأم تبعًا لوجود الفرع الوارث وجمع الإخوة.
- الزوج والزوجة يأخذان فروضًا محددة (النصف/الربع/الثمن) وفق وجود الفرع الوارث من عدمه، ولا تدخل قاعدة التضعيف هنا.
يهم القارئ هنا أن يفهم أن العدل في الميراث مبني على صلة القرابة وجهة الإرث لا على النوع وحده؛ فالأنصبة تتبدّل بحسب القُرب والأسباب والحوائج الشرعية.
الطريق العملي للحساب
قبل أي رقم، يجب تحديد:
- أصحاب الفروض الموجودون في المسألة (زوج/زوجة/أب/أم…).
- أصحاب العصبات (الأبناء الذكور، الإخوة… بحسب بقية الورثة).
- الموانع كالقتل والرق واختلاف الدين (تُبحث قضائيًا عند النزاع).
بعد ذلك يُحسب مجموع السهام، وتُوزَّع وفق القسمة الشرعية المعروفة عند المختصين. وهنا يتكرر بين القرّاء سؤال عملي عن كيفيّة تطبيق القاعدة رقميًا؛ الجواب أن اللجوء إلى محامٍ أو موثوقٍ بإلمامٍ بعلم الفرائض يحسم الإشكالات، خاصةً عند تعقّد المسألة بوجود أصول متعددة أو وصايا أو ديون.
نماذج تطبيقية مبسطة
النموذج الأول: زوجة + ابن + بنت
- فروض: الزوجة الثمن لوجود الفرع الوارث.
- الباقي للأبناء تعصيبًا: للذكر مثل حظ الأنثيين.
- لو كان صافي التركة 1,000,000: تأخذ الزوجة 125,000، ويبقى 875,000؛ يُقسَّم على ثلاثة أسهم (سهمان للابن وسهم للبنت): الابن 583,333.33 تقريبًا، البنت 291,666.67.
النموذج الثاني: أم + أخ شقيق + أخت شقيقة دون فرع وارث ولا أب
- الأم: الثلث عند عدم وجود فرع وارث وعدم تعدد الإخوة.
- الباقي للأخ والأخت الشقيقين تعصيبًا؛ للذكر مثل حظ الأنثيين.
- مع ملاحظة أن وجود أكثر من أخوة قد يُنقص نصيب الأم إلى السدس وفق التفصيل.
النموذج الثالث: أختان لأم + أخ لأم
- يرثون بالسوية (ثلث التركة يُقسم بينهم بالتساوي)، لا تضعيف للذكر هنا.
هذه النماذج للتقريب، ويبقى لكل مسألة خصوصيتها حسب وجود الورثة الآخرين والوصايا والديون.
الحالات الخاصة التي تغيّر الصورة
- وجود وصية: تنفذ في حدود الثلث لغير وارث ما لم يجز الورثة؛ تُخصم قبل القسمة.
- وجود ديون والتزامات: تُقدَّم على القسمة؛ لذلك يلزم توثيق خطة السداد قبل توزيع الأنصبة.
- وجود قُصّر: يتطلب إذنًا قضائيًا للتصرف في نصيبهم وإيداعه في حسابات مقيدة، وقد تراقب المحكمة الإدارة.
- النزاع في النسب أو الوفاة: قد تتداخل اختصاصات النيابة العامة في شبهات جنائية، أو يلزم تقريرٌ فنيّ نادر من الطبّ الشرعي لإثبات مسألة تؤثر في الميراث (كترتيب الوفاة عند التوارث المتعاقب).
من الحساب إلى الوثيقة: كيف تُنفَّذ القسمة في الرياض؟
حتى تصبح الأرقام واقعًا ملزمًا:
- إثبات ورثة إلكتروني عبر ناجز: تُرفع الطلبات وتُرفق المستندات ويُحدَّد الموعد.
- جلسات محكمة الأحوال الشخصية بالرياض: للنظر في الطلبات أو القسمة القضائية عند تعذّر الاتفاق.
- اتفاق قسمة رضائية (إن أمكن): وثيقة تفصيلية تتضمن وصف الأصول، الأنصبة، الجداول الزمنية، الجزاءات.
- توثيق قسمة التركة بكتابة العدل: بعد التوثيق تُصبح القسمة قابلة للتنفيذ.
- التحويل الإلكتروني للصكوك: لتسريع الإفراغ والربط مع الجهات البنكية.
متى يتساوى نصيب الذكر والأنثى؟
- الإخوة لأم: نصيب متساوٍ إذا استوفوا الشروط.
- الميراث بالفرض المحض (كالزوج/الزوجة/الأم/الأب في صورٍ بعينها): الفرض لا يتبدّل بنوع الوارث.
- بعض صور البنات مع الأخوات عند انعدام العصبة الذكورية قد تؤول المسألة إلى تساوٍ بعد الردّ أو بشيوعٍ مخصوص (مسائل نادرة وتحتاج خبير فرائض).
كيف نطبّق “للذكر مثل حظ الأنثيين” عمليًا؟
- التحقق من أصحاب الفروض أولًا.
- حصر العصبة من الأولاد/الإخوة بحسب الباقي.
- حساب مجموع السهام ثم توزيعها: لكل ذكر سهمان ولكل أنثى سهم واحد في طبقة الأولاد.
- معالجة البواقي والردّ عند الحاجة على أصحاب الفروض وفق الضوابط.
- في الأصول غير القابلة للقسمة عينًا (فيلا واحدة مثلًا) يُلجأ إلى قسمة المنافع أو البيع وتقسيم الثمن مع تعويض الفوارق.
المسار الإلكتروني المختصر
- رفع الطلبات عبر ناجز ببيانات دقيقة ومرفقات مقبولة.
- متابعة الإشعارات لتلافي الملاحظات الشكلية.
- عند الاتفاق، صياغة محكمة وتوثيق لدى كتابات العدل.
- عند الخلاف، رفع دعوى قسمة، وقد تُحال لتقييم محايد قبل تقرير القسمة العينية أو البيع.
أخطاء شائعة وكيف تُتجنب
- القفز إلى القسمة قبل سداد الديون أو تنفيذ الوصايا.
- الاعتماد على تقديرات عائلية دون تقييم محايد للأصول.
- صياغة اتفاقات عامة بلا جداول زمنية أو جزاءات.
- إغفال إذن القضاء في وجود قُصّر.
- تجاهل التحويل الإلكتروني للصكوك مما يعطل الإفراغ ونقل الملكيات.
نصائح عملية للأسرة في الرياض
- ابدأوا بإصدار صك الحصر إلكترونيًا وتجهيز المستندات قبل أي خطوة.
- اطلبوا تقييمًا محايدًا للأصول عالية القيمة لتقليل الجدل.
- إن أمكن، اتجهوا إلى قسمةٍ رضائية موثّقة؛ فهي أسرع وأقل كلفة.
- اجعلوا كل خطوة قابلة للتتبع (محاضر تسليم واستلام، جداول زمنية).
- استشيروا محامي مواريث عند الحالات الخاصة أو النزاعات المحتملة.
الأسئلة الشائعة (FAQs)
هل “للذكر مثل حظ الأنثيين” قاعدة مطردة في كل الحالات؟
لا، تجري في طبقة الأولاد غالبًا، بينما توجد صور يتساوى فيها الذكر والأنثى (كالإخوة لأم) أو يختلفان وفق الفروض والحجب.
كيف أبدأ القسمة عمليًا؟
بـ صك حصر الورثة، ثم جرد الأصول والديون، ثم اختيار مسار القسمة (اتفاق/دعوى) والتوثيق لدى كتابات العدل.
هل يمكن القسمة على أصول غير قابلة للفرز؟
نعم عبر قسمة المنافع أو البيع وتقسيم الثمن وفق تقييم محايد وجداول زمنية واضحة.
هل يؤثر وجود قُصّر؟
نعم، يحتاج أي تصرف يخصّهم إلى إذن قضائي وإيداع مقيد لحصصهم، وقد تراقب المحكمة الإدارة.
هل يلزم التحويل الإلكتروني للصكوك؟
ليس إلزاميًا دومًا، لكنه يسرّع الإفراغ والربط البنكي ويقلّل الأخطاء؛ لذا يُستحسن قبل القسمة أو البيع.
الخاتمة
شرح تقسيم الورث بين الذكور والإناث لا يكتمل بقاعدة واحدة؛ بل بمنهجٍ يبدأ بإثبات الورثة، ويوازن بين الفروض والعصبات، ويقدّم الديون والوصايا، ثم يختار مسار التنفيذ الأنسب (قسمة عينية/منافع/بيع) توثيقًا واعتمادًا إلكترونيًا. في الرياض، تكفل منظومة ناجز ومحكمة الأحوال الشخصية وكتابات العدل تحويل الأرقام إلى وثائق قابلة للتنفيذ. بإدارة محامٍ مختص، تتحول المسألة من جدلٍ نظري إلى قسمةٍ عادلة قابلة للتنفيذ تحفظ الروابط العائلية والحقوق.
